728x90 شفرة ادسنس

Made with Visme

  • اخر الاخبار

    الخميس، 11 أكتوبر 2018

    قصة قصيرة - القرار الصعب


                                                   

    بقلم الكاتبة 

    وفاء عرفه 

    دق جرس المنزل طويلاً دون أن ترفع يدها ، حتى فتح لها الباب و دخلت مسرعة إلي حجرتها بلا كلمة واحدة و لا حتي إيماءة ، و أغلقت باب غرفتها ، لتعلن عن رغبتها في البقاء وحدها ، و ظلت تبكي تارة بصوت مسموع و تارة أخري بصمت ودموعها تنهمر كالشلال الهادر ، و بدأت تسترجع ذكرياتها القريبة ، و التي كانت تغزل منها أحلام مستقبلها المنتظر ، مع الإنسان الذي أحبته بكل كيانها ، و رسمت معه تجليات الحياة القادمة لهما .
    علياء فتاة جميلة ممشوقة القوام ، خمرية اللون يتوج رأسها شعرها الأسود ، الذي يتمايل علي كتفيها مع كل خطوة تخطوها ، في رشاقة الغزال و يبدو للناظر إليها إبداع الخالق المصور و تتمتع بقوة شخصية ، كأنها ملكة تجلس علي عرشها ذكية و متفوقة منذ طفولتها و قررت أن تصبح طبيبة و قد كان و حققت حلمها .
    ها هي الآن طبيبة متميزة ، يُشهد لها بالكفاءة بين أقرانها في العمل ، بإحدي المستشفيات الخاصة ذائعة الصيت ، تعرفت علي طبيب يكبرها بسنوات قليلة ، وولدت بينهما قصة حب  قوية و جميلة ، بنيت علي تكافؤ بينهما و توافق ، في الأحلام المستقبلية لشراكة العمر كله ، خططا لكل شئ إستعداداً لدخول عش الزوجية ، و اختارا معا كل تفاصيله ليصبح الجنة ، التي تجمعهما لبداية حياة جديدة ولآخر العمر .
    اليوم علياء عليها أن تأخذ قرار مصيري ، ينتزع من روحها رونقها ، و يلفظ من قلبها حبها المتوهج ، وعليها أن تواجه الزلزال الذي اخترق صميم عمق أحلامها وجعل كل رؤية مستقبلها كالغيمة المعتمة ، كيف لها أن تأخذ قراراً لم تحسب له أي حساب، و لم يلوح بخلدها أبداً، لكنه بات حتمياً أن تواجه الأمر،رغم أن قدرتها علي الحسم تنهار ، كل شئ في لحظات تحول إلي أنقاض ، الحب و الأحلام و المستقبل .
    تفكر كثيراً فهي تحتاج ، لمن يأخذ بيدها و يساندها ، و يعبر بها فوق جسرالخوف والوهن ، تحتاج لمن يسمع صمتها ويفهمها ، تحتاج لملاذ آمن عند شكواها .
    و من غير أمها ؟ نعم أمي هي الصديقة الصدوقة ، و الحكيمة عند المشورة ، و الأكثر خبرة بالحياة و هزلها ، أسرعت فوراً و ارتمت في حضن أمها ، تجهش بالبكاء والأم تحتضنها ، بذراعيها و تضمها ، كأنها تمتص ثورتها في صمت تام ، و قلبها ينفطر ألماً على حالة بنت عمرها كله وركل مافازت به من الحياة ، و ظلت تضمها و كأنها تحجب عنها العالم بكل شروره ، إلي أن قامت علياء و اعتدلت في جلستها ، بدأت بصوت متهدج و دموع ملتهبة تقص مايؤلمها ، قالت أحتاج المشورة يا أمي ، فالقرار صعب جداً.
    حلم حياتي ينهار أمام عيني ، كل ما أعددت له و رسمته في أجمل صوره يتلاشى و يتسرب من بين يدي ، و السبب أنني تأكدت اليوم ، أن هناك فتاة أخرى ، تشاركني حب عمري ، و واجهته لم ينكر بل طلب مني ، أن أمنحه الوقت ليتخذ قراره النهائي
    ثم خيم الصمت علي المكان لحظات مرت ، وكأنها الدهر كله و بدون كلمة واحدة مضي كل منا لحال سبيله ، أردت يا أمي حينها أن أركض خلفه ، أتشبث بكتفيه و أهزه بعنف ربما يفيق من غيبوبة الغدر التي دخلها ، بكل مابي من لهفه و أستوقفه و أرتمي بين ذراعيه و أصرخ في وجهه ، أستحلفه بكل مابيننا و قصتنا الجميلة و أقول له .. لا تتركني ..
    لكن صعبت علي نفسي و خارت قواي و خانني صوتي ، و حفظت ماء وجهي من مهانة الموقف و تبدل ضعفي بقوة جبارة ، لكن بقي سؤالاً بداخلي أين ولي كل هذا الحب ؟
    لماذا جعلني أكتفي به عن العالم!! ثم صمتت علياء مستعدة لرد أمها عليها .
    ابتسمت الأم في هدوء و حنكة ،، و قالت :- " يا ابنتي الجميلة .. جففي دموعك الغالية ، لاتقبلي أبداً بأن تكوني شطراً من بيت في قصيدة ، كوني دائماً القصيدة و النظم في قافيتها ، فأنت تستحقي دور البطولة في حياة الرجل الذي يحبك ، الحب ليس بأيدينا و ليس فيه إختيار ، إنه قدر و سبحانه مؤلف القلوب ، لكن الأفعال و القرارات بأيدينا ، فنحن من نقرر كيف نعامل من الآخر ، لا ترضي بأقل مما تستحقي فيقل قدرك ، و لا تنخدعي بالكلام والمبررات ، لكن ثقي في المواقف  وإلزمي إحساس قلبك فهو الصدق ، و لاتثقي إلا فيما تمليه عليك نفسك ، و لاتقبلي بالجزء أو المتاح أو المستطاع، كوني الكل و بلا شريك ، لا تضعي نفسك في موقف اختيار ، و لاتكوني في حيرة من أمرك و طول إنتظار ، و تأكدي أن كل صعب يهون و يمر مع الأيام ، الزمن كفيل بأن يذهب بكل الصعاب و يعوضنا عن كل ما أذي نفوسنا، و القرار الآن أفضل من بعد .
    يا ابنتي غالباً نكون علي علم بأنهم راحلون ، و نُصر علي أن نخدع أنفسنا ، لكن ماهو الثمن الذي سندفعه مقابل وجودهم المؤقت ، ويأخذ من أرواحنا جزءً تلو الآخر ، حتى تنطفئ و تذبل ، و الأهم أننا لا نعلم أيضا ، كم من الوقت يلزمنا لنصلح ما أفسدوه بداخلنا ، و رغم ذلك الزمن كفيل بأن يصبحوا ذكري ، و يدفنوا في مقبرة النسيان بداخلنا " . 
    ثم ضمت الأم ابنتها بحنان الكون كله ، و قالت لها :- " القرار لك وحدك إنها حياتك و اختيارك ، و أعلم أنها مهمة ثقيلة عليك .. أعانك الله ياجميلتي " .
    نظرت علياء في عين أمها و استعادت قوتها المعهودة لقد كان حديث أمها هو القارب الذي وصلت به إلي مرفأ الأمان ... و قررت أن تنهي العلاقة خيراً لها من انتظار الأيام لتقرر مصيرها .
    وأيقنت أنها قادرة على أن ، تعيد حبيبها غريباً كما كان ، و كأنها لم تعرفه قط وستمضي في الحياة ، و تضمد جراحها مع الوقت ، وستعتاد وستنسى ، ثم تصبح رائعة كعادتها .
    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك

    0 التعليقات:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: قصة قصيرة - القرار الصعب Rating: 5 Reviewed By: Unknown
    Scroll to Top